خواطر عابد : من وحي الامتحانات
في السويعات الأولى من الصباح الباكر، انطلقت إلي عملي، فنظرت إلي مذكرتي ، فوجدتني اليوم مراقباً على إحدى لجان الامتحانات.
جلس الطلبة ووزع ورق الأسئلة والإجابات، بدأ الامتحان، وانتبه الطلبة، كل عاكف على ورقة الإجابة
قلت أمازح أحدهم، فضحك لي ضحكة سريعة ثم عاد عاكفاً، فقلت أمازح آخر فكان مثله ،فسألت مابالكم، فقالوا الامتحان طويل والوقت قصير،
ووجدتني وقتي طويلاً ولم أجد امتحاناً،
فقلت اتركهم، فهم في كبد. يكابدون لينجحون.
فأخذت كرسياً واستدرت بظهري مستندا عليه، مميلا الكرسي الى الحائط، مراقباً لهم متأملاً حالم.
فتعجبت ، فما بال أقواما منهم مهملون مستهترون لا يعبأون لخطورة الامتحان، وآخرون يحاولون يكابدون، يرمون للنجاح، وآخرون منتبهون لا تكاد أعينهم تطرف وأنفاسهم تتحرك وهم السابقون الذين أرادوا السبق والتفوق.
قلت اتركهم لحالهم.
هدأت انفاسي وارتخيت...
فإذا بصوت عميق يعيد الجملة على أذني " الوقت قصير والامتحان طويل"،"فما عمرك يا ابن آدم في عمر الكون"،
انتفضت من مكاني فزعا "ما هذا الصوت"، اعتدل اكرسي، واقتضب الحاجب وانتبه العقل...
فانتبهت لعمري، فوجدته كسويعات ثلاثة كسويعات الامتحانات.
فنظرت إلي الامتحان فوجدته طويل، ونظرت إلي النتيجة فوجدت نجاحها جنة أرجوها وفشلها ناراً أخافها، فقلت "أين المفر، أريد النجاح اقصد النجاة".
فجريت الى الذين يريدون النجاح فسألت أحدهم " أريد النجاح ماذا أفعل" فأجابني الطالب "إبدأ بالسؤال السهل ذو الدرجات العالية".
فالتفت إلي ورقة الامتحان فوجدت السؤال السهل ذو الدرجات العالية في لا إله إلا الله، وفي الصلاة والزكاة وفي صوم رمضان وفي الحج عند الاستطاعة.
فسألت الطالب ثانية "ولكني أريد النجاة، أقصد النجاح" فقال "أجب الأسئلة ذات المستوى المتوسط" فسألت "أين أجدها" فقال "كثيرة هي, أجب منها ما استطعت"
فنظرت في ورقة الامتحان مرة أخرى ، فوجدتها في العشر الأواخر من رمضان والأوائل من ذي الحجة، ووجدتها في صدقة السر والعلانية وفي الذكر وفي شعب الإيمان التي أعلاها لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق
"كم تبقى من الوقت" صوت علا في القاعة، التفت بتوتر، انه طالب، فوجدتني انظر إليه ذاهلا، لا أستطيع الإجابة، أنا لا أدري، نعم!! لا أدري، أنا في ريعان شبابي ولكني لا أعلم هل بقى منه نصفه أم ثلثه أم لم يبقى منه شئ.
"نصف الوقت" زميلي يجيبه،
"أريد محاية" صوت آخر يقطع صمت المكان،"لماذا" هكذا وجدتني أسأله.
قال "أخطأت وأنا أجيب" فجريت إليه أسأله "ماذا تفعل إذا أخطأت" فقال "أمحو خطئي بمحاية" ، فتسائلت "أين محايتي"
فنظرت في أدواتي فوجدت الاستغفار وعفو الله فقلت "الحمد لله"
فالتفت إلي الذين يكابدون يريدون أن يتفوقوا ويكونوا من السابقين، فسألت أحدهم وكيف التفوق والسبق فأجابني أجب سؤال الامتياز فسألته أين هو فقال ابحث عنه عادة ما يكون السؤال الصعب وقد يكون مجزئاً في كل سؤال سهل
فعدت الى اوراقي، فوجدتها في قول الله تعالى
لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا
فبحثت عن الجهاد فوجدته في العراق والشيشان وأفغانستان وفلسطين، ووجدت بيني وبينهم حدود، وقد معنت عنهم.
فعدت الى طالب الامتياز وسألته" علمت أين الاجابة، ولكني لا أستطيع بلوغها" فقال لي "خذ بأسبابها، فلعلك بالمحاولة تنال الدرجة كاملة، ولكن احرص، اجتهد ان تكون المحاولة صحيحة"
فوجدت الاجابة في قول الله تعالى
" لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاء وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّواْ وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنفِقُونَ "
"انتهى الوقت"،
انتفضت من مكاني فزعا "ماذا؟؟؟ لا دعوني ، احتاج المذيد من الوقت... لا تسحبو ورقتي أريد أن أجيب... أريد أن أجييب"
حقا لم اكن أعلم ، أصوت زميل هو أم صوت ملك الموت،
ولكن الحمد لله، لقد كان وقت الطلبة الذي انتهى, أو أقصد وقت الامتحان
وهاي هي ذي فرصة ثانية,
لازال لدي وقت
ولكني لا أعرف
هل بقى منه نصفه
أم ثلثه
أم لم يبقى منه شيء
هناك تعليقان (2):
السلام عليكم و رحمة الله وبركاتة
جزاك الله خيرا عندما قرات هذه الخاطره جاءت الي ذهني هذه العبارة (إذا لم تشق علينا الجنة فمتى واين الأشتياق للجنة00و إن الله يحب المؤمن المحترف 00
واخيرا اوصيك ونفسي بالدعاء واسال الله ان يثبتك ويسدد خطاك
من سوزان
بارك الله فيك و تقبل منك و اكثر من أمثالك
إرسال تعليق